حماة من المدن العريقة تاريخياً في مجالات متعددة تجارياً وثقافياً وصناعياً لكونها تتوسط بلاد الشام ما جعلها محطة للقوافل التجارية ونقطة التقاء حضاري وفكري وتجاري وصناعي.
وبرع أهل حماة منذ القديم في صناعة النواعير وورث الأبناء هذه الصناعة عن آبائهم وأجدادهم منذ القديم حيث تم العثور على أقدم أثر تاريخي يدل على وجود النواعير في مدينة حماة عبارة عن لوحة فسيفسائية موجودة حالياً في متحف دمشق مرسوم عليها شكل ناعورة يعود تاريخها إلى 1500 عام قبل الميلاد.
وتعد مدينة حماة الموطن الأول للنواعير في العالم حيث أطلق على منطقة شيزر في المحافظة اسم مدينة النواعير إذ يوجد فيها أشهر نواعير العالم وأكبرها حجماً على الإطلاق ويصل قطر بعض النواعير إلى أكثر من 25 مترا وهي تنتشر على ضفاف نهر العاصي وكانت في السابق تنقل الماء من نهر العاصي إلى البساتين على جانبي النهر عبر قناطير تسير فوقها المياه.
وتتميز صناعة النواعير بدقة زائدة وإتقان عال وخبرة كافية تسمح لها بالدوران التلقائي بواسطة الجريان الطبيعي للمياه كما أن أي خلل في تصنيع الناعورة قد يؤدي إلى تحطمها خلال دورانها بسبب اختلال توازنها ولاسيما أنه استخدم في صناعتها أكثر من 50 طناً من الأخشاب إضافة إلى كمية من المسامير الحديدية الخاصة تتراوح أطوالها بين 4ر6 سم ويبلغ وزنها نحو 500 كغ ويزداد وزن الناعورة عند ابتلالها بالماء خلال دورانها ليصل إلى حوالي 70 طناً.
إن سبب تسمية الناعورة يعود إلى صوت نعيرها خلال عملية دورانها وتستخدم في تصنيع الناعورة أنواع متعددة من المسامير إما مبرومة أو مربعة الشكل وهي على أنواع تتناسب مع حجم الناعورة وموقع استخدام كل نوع منها مشيراً إلى أن أقسام الناعورة تشمل قلب الناعورة وهو عبارة عن كتلة من خشب الجوز والمحور الرئيسي والحامل لجميع أجزاء الناعورة ويؤخذ قلب الناعورة عادة من جذوع أشجار الجوز الكبيرة الخالية من الإعوجاج والأمراض والعيوب في حين يتم الاعتماد على خشب الجوز أيضاً أو التوت في تصنيع كفتي الناعورة.
أن من أقسام الناعورة أيضاً الأعتاب وهي على شكل أسكفة الباب حيث تثبت على بعضها بشكل متصالب ويبلغ عدد الأعتاب في الناعورة 16 عتبة تؤخذ من خشب الجوز أو التوت أيضاً إضافة إلى العيدان وهي من خشب الجوز حصراً وعددها 16 عوداً 8 منها في الوجه الأمامي للناعورة ومثلها في الوجه الخلفي.
كما تحوي الناعورة الوشحات ومفردها وشاح وتساعد في ربط كتلتي الأعتاب مع الدائرتين الكبرى والصغرى ويبلغ عددها في الناعورة 32 وشاحاً وفي الصغرى 24 وشاحاً وتؤخذ من جذوع أشجار الحور التي تمتاز بطول جذوعها وسرعة نموها ومقاومتها للمياه وهناك الرادينات وهي عبارة عن مسطح خشبي ذي لسان طويل يثبت على محيط الدائرة الكبرى ضمن فتحة نقر معدة لذلك ومجهزة من وجهيها بزوجين متقابلين من الأخاديد لتثبيت القبونات فيها.
وهناك القناة المائية للناعورة وهي الحجرية التي تحمل القناة وغالباً ما تكون على شكل قناطر للتخفيف من وزنها وتتصل بالبرج وتصل هذه القناة إلى مسافات بعيدة لسقاية البساتين والأراضي كما تتفرع في أنحاء مدينة حماة وتتوزع المياه من هذه القنوات إلى البيوت والحمامات القديمة بواسطة قساطل فخارية ويساعد الناعورة في دورانها البيب وهو القسم الذي يقع بين برج الناعورة والمثلثة وهو على منحدر لتلقي أكبر قوة ممكنة من الماء وتبلط أرضيته ببلاط حجري وفي مدخله وعلى بعد متر تقريباً هناك السكر وهو بمثابة باب يتم إغلاقه عندما يراد ترميم الناعورة وكان يصنع في الماضي من خشب وحاليا استبدل بالحديد.
وأخيراً فإن الجزء الأهم في عمل الناعورة الحاجز المائي الذي يأتي بعكس جريان النهر تماماً ويتصل طرفه الجانبي في سكر الناعورة ومهمة الحاجز المائي حجز الماء في وسط المجرى المائي للنهر ليتدفق بقوة أكبر على طرفيه المفتوحين على النواعير وهو على شكل جسر حجري يتكون من حجر كلسي كبير مونته عالية جداً.
والنواعير من أبرز المعالم التاريخية والأثرية التي تميزت بها مدينة حماة منذ أقدم العصور حيث يعود بناؤءها إلى العهد الآرامي الأمر الذي جعلها قبلة السياح السوريين العرب والأجانب الذين يتوافدون إليها باستمرار للتمتع بمشاهدتها وسماع صوتها خلال عملية دورانها ونظرا لأهمية هذه الأوابد التاريخية الموغلة بالقدم حرصت الجهات المعنية في المدينة وعلى رأسها مجلس المدينة على إيلائها اهتماماً بالغاً ولاسيما مجلس المدينة الذي أنشأ دائرة خاصة تعنى بصيانة وإعادة إحياء النواعير بهدف استمرار وبقاء هذه المعالم الأثرية التي تشكل رمزاً من رموز حماة وركناً أساسيا من أركان هويتها الثقافية والحضارية.
وتبقى النواعير أهم معلم حضاري وسياحي في مدينة حماة ولها ذكريات حافلة وتغنى بها الشعراء وكتب عنها الكتاب والأدباء والمستشرقون ورويت عنها الأحاديث والقصص وما زالت النواعير تدور وتزين وسط مدينة حماة وفي أماكن ومناطق مختلفة في المحافظة وعلى طول نهر العاصي وانتشرت في الوقت الحالي صناعة نواعير الزينة بأحجام مختلفة وتضفي المناظر الجميلة على الفيلات والمساكن والمنتزهات والحدائق واقتصرت وظيفتها حاليا على الجانب السياحي والتراثي والحضاري فحسب بعد أن كانت سابقا أهم وسيلة لإيصال المياه للمنازل والبيوت السكنية والمساجد وري الأراضي الزراعية المنتشرة في محيط مدينة حماة ومختلف أنحاء المحافظة فضلاً عن دورها في تشغيل مطاحن الحبوب الموجودة في مواقع بعض النواعير من خلال الاستفادة من قوة دفع المياه ودوران النواعير لهذه الغاية.
و يوجد في محافظة حماة حالياً 24 ناعورة في الخدمة إضافة إلى 91 ناعورة 62 منها تحتاج إلى صيانة وتجديد بدءا من سد الرستن وانتهاء بسد العشارنة وقد جرى العام الماضي إحياء ثلاث نواعير هي الخريسة وكازو الكبرى والظاهرية بعد أن تم تجهيز وترميم مواقعها البرجية والحجرية من قبل دائرة آثار حماه.
موضوع: حماة موطن النواعير الأول 
الجمعة أغسطس 20, 2010 11:22 am
