رغم ان الصدق أنجى يبقى الكذب ملح الرجال , و لا أدري لماذا ارتبطت هذه المادة بهذه الصفة , ولكن على الأغلب للتشابه بينهما من حيث الضرورة و الحاجة التي هي أم الإختراع , وهذا الأخير أصبح لدينا نوعاً هاماً من أنواع الكذب ..!و ربما لأن الملح مادة رخيصة الثمن , وكذلك الكذب على مبدأ
(الكلام ما عليه جمارك) لا سيما في وسط يصعب فيه كشف الحقيقة , أو في مكان يعرف معظم مرتاديه الحقيقة ولكن أحداً لا يريد الاعتراف بها لغاية في نفس يعقوب ..!و على سيرة الجمارك فإن الملح أيام الدولة العثمانية كان معفى من الرسوم الجمركية , وعندما تمر سفينة محملة بالملح , فما على راكبيها سوى الصراخ بأعلى صوت (طز يا افندم طز)لإسماع ما يشبه خفر السواحل العثمانيين الذين يأذنون بالمرور في حال صدقت صرخات البحارة ..! و (طز ) كلمة تركية تعني الملح , وربما من هنا جاءت النسخة العربية لكلمة (طز) التي ما زالت من أهم مفرداتنا الحوارية في حلبات الرأي و الرأي الآخر , إضافة إلى دورها الهام في النقاشات الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية ,حيث تسجل تلك النقاشات ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الملح و الأملاح لدى الرجل و المرأة وما بينهما ...!و لكن يبقى كذب المرء على نفسه من أخطر أنواع الكذب خاصة لأولئك الذين يكذبون على أنفسهم ثم يعجز سيغموند فرويد عن إقناعهم بأن تلك كذبة ساقوها على مبدأ غوبلز(اكذب اكذب حتة تصدق نفسك)...!وهذا ما تثبته تصرفات بعض السائقين الذين يتفاجأون بكاميرا المراقبة على الطريق ليهدئوا من سرعتهم رغم انهم لم يتجاوزوا السرعة القانونية في الشارع الذي يسيرون عليه ...! ولكنها عادة صارت تلازمهم عند رؤية الشرطي , مما يذكرنا بنكتة من روسيا حيث يشاع عنها انتشار الخيانة الزوجية بكثرة لدرجة ان زوجاً نائماً بجانب زوجته , وما إن طرق أحدهم باب منزله منتصف الليل حتى حذرته الزوجة بأن الطارق قد يكون زوجها , فنسي كما نسيت بأنه زوجها الحقيقي , و كان سريع الاستجابة عندما قفز من النافذة ...!و لكن للإنصاف فإن ملح الرجال لا يقتصر عليهم فقط , بل هناك من النساء من تتفوق على الكثير منهم , لا سيما في ولائم ولمات القهوة , وجلسات المتة التي غالباً ما تترافق بطقوس فصفصة البزر و التسلي بالمكسرات و الموالح , مما يرفع نسبة الأملاح و طلاقة اللسان تجاه الكذب بكل الألوان ليصبح أشبه بحصان بغير لجام ... ولكن رغم هذا و ذاك يبقى (كذبك حلو)..!