هل تذكرْ.. لقد كنتَ شاهداً على تفاصيل قصتي معه، فقد كان صديقكَ،وبحركة سريعة أخرجتْ من حقيبتها صورة من الماضي تجمع أفراد الشلة.. وتابعتْ حديثها لكن بصوت أعلى هذه المرة:
كل هؤلاء كانوا شهوداً على ملاحقته لي وإقناعي بالزواج منه.. ألا تذكرْ..؟ ورمتْ إليَّ بالصورة.
هل تذكرْ..؟ وكيف لي أن أنسى تَسرُّبَ الحلمْ.. ضياع الأملْ.. خواء النفسْ.. لقد كانت كل شيء في حياتي إلى أن تسللَ صديقي إلى ثنايا رغباتها في الخلاص من الفقر.. والانتظار،فاختارته،وتركتني وحيداً ألملم بقايا الحلم الجميل.
ألا تذكرْ..تسألني وهي تعلم تماماً أني ما نسيت لحظة من تلك الأيام..أي تشفٍ ظالم هذا.!
وعادتْ بي الذاكرة إلى لقائنا في حديقة الجامعة ذلك اليوم الكئيبْ: يبدو أن الحب لن يصمد يا صديقي..وتابعتْ بعد أن تَسمّرَتْ عيناها على تراب الحديقة: أنت تعرف "البير وغطاه " لن أستطيع الانتظار..لقد عرض عليَّ "سمير" الزواج،إنه يحبني كما تعلم،لم يقطع الأمل..ويكرر محاولاته رغم علمه أني أحبكَ،لا تجادلني في صحة..أو خطأ قراري ،ألا تريد مصلحتي..وحرية اختياري.؟
ها قد اخترتْ وداعاً..أحبك.
سامعْ بكلماتكْ شقا.. الفرح عَمِ يغَرّبْ.. وكوماتْ حزنْ تطير وتقَرّبْ.. بس قولي لي.. خلّيني اسمعْ الكلمات من تمكْ.. واغرقْ بنار الهمْ.. وخلّي غناني الدمْ..ترقص على تمي وعلى تمكْ..
بضع كلمات.. لم يكلفها الأمر سوى دقائق، وكلفتني ثلاث سنوات من تسول النسيان..أحقدُ تارة.. وأصفحُ أخرى.. فقد كان" سمير " غنياً ،وقادراً على إخراج أسرتها من ضائقتها المزمنة..
مزيفةٌ كل أحلامي..آنَ لي أن أُودِعَ تلك الأحلام في نعش وأواريها إلى غير رجعة تراب الحديقة التي شهدتْ انكسار الضرورة أمام الصدفة.. وانتصار الاستثناء على القاعدة.
لكن مَن يستطيع سلبنا الأمل،ألا تشرق الشمس كل يوم هامسة في أذن البشر: هيا إلى يوم جديد،أَلم يُنشد جبران في " النبي " إن الحياة لا تقيم في منازل الأمس.؟
ألا تذكرْ..ورمتْ إليَّ بالصورة التي ضمتِ الجميع في رحلة إلى هياكل تدمر..وبعد لحظات معدودات، استَرجَعتِ الصورة من يدي بنزقٍ حاد: لقد تزوجَ بعد أن رماني كما يرمي خادمه كيس القمامة.. وارتعشتْ يدها..وَهَمَّتْ بتمزيق الصورة،فخطفتها من يدها المرتجفة،وكما ينسلُ الحب إلى قلب الصبية دون إذن،انسلتْ من عينيّ بضع قطرات من دموع معتقة كنبيذ الرهبان..وأفرجَ صدري عن زفرات كانت حبيسة زوايا القهر..عصفت بي ذكرياتي..وأطلقَ لساني نيرانَ بركانٍ خامدٍ منذ سنين، وانطلق من أعماق الروح صوتاً رجَّف أوصالها.. وأذهلَ من كان يجلس بجوارنا:
لا تمزقيها دعيها.. فقد كان حلمُ حياتيَ فيها...