انفردت مدينة دمشق بتقاليد مميزة عن مثيلاتها من الحواضر العربية والإسلامية، وقد تميزت بهذه التقاليد حتى أصبحت جزءاً مهماً من تراث شهر رمضان، ورمضان من دونها يفقد جانباً من بهجته ورونقه في نفوس الناس.
ومن أهم تلك التقاليد ما كان في تكريزة شهر رمضان وما كان من أمر إثبات مولد هلال هذا الشهر، ومن ثم ما كان من احتفاء دمشق برمضان واحترام شعائره.
1- تكريزة شهر رمضان:
فالتكريزة عادة قديمة جرى عليه الناس بدمشق، وتتمثّل بقيام أغلبية أهل دمشق بسيارين أو نزهات على شكل جماعات من الأهل أو الصحب إلى أنحاء الغوطة الشرقية، أو إلى مناطق الربوة والشاذروان والمقسم والمنشار والفياض والتخوت المقامة على فروع نهر بردى أو المساطب التي على جوانب النهر. فيفترشون الأرض للتمتع بمناظر الخضرة والماء المنساب بين الأشجار، وإمعاناً في الحرية، كانت كل جماعة تحجب نفسها عن أعين الغرباء والحشريين بحواجز قماشية شدّت بين شجرتين أو أكثر، بحيث لا تحجب التمتع بالنسيم العليل والماء المنساب بين الأشجار، في سيران دمشقي قلّ أن يجد المرء أمتع من أوقاته.
ويذهب البعض في تفسير التكريزة قبل حلول شهر رمضان بأنها وداع وفسحة يعيش المرء بعدها بعيداً عن ملاذ الحياة ومتعها الزائلة.
2- هلال شهر رمضان:
وكان لاستقبال شهر رمضان في دمشق عادات وتقاليد تبدأ بإثبات مولد هلال شهر رمضان، وهي تقوم على أسس علمية مستمدة من تعاليم الدين الإسلامي.
ففي ليلة الثلاثين من شهر شعبان، يجلس القضاة والعلماء والوجهاء والسادة الأشراف في المحكمة الشرعية، خلال الساعات التي يتوقع فيها ظهور هلال شهر رمضان وحتى ساعة متأخرة من الليل بانتظار من يثبت مولد هلال شهر رمضان، في أي منطقة من أنحاء البلاد، فإن كان الإثبات، فإنّ القاضي الشرعي يتأكّد من الشهود عن حقيقة مولد الهلال، من حيث شكله وحجمه واتجاهه ومكان المشاهدة ووقتها، فإن توافق ذلك مع الميقات والشكل الفلكي للهلال يجري التشاور في مجلس القاضي ويعمم ذلك بالاتفاق مع المجلس، ومن ثم تنار المساجد ويخرج المسحرون للبشارة، وينفض الوجهاء كلّ إلى حيّه لتبليغ المنادين بإعلان الصيام، وكان يرافق ذلك احتفالات يشارك فيه الحرفيون ومشيخة الكارات، ويتقدم الجميع السادة الأشراف ورجال الطرائق الصوفية والعلماء تظللهم الرايات والبيارق المرفوعة، مع مرافقة حشد كبير من الناس.
وبالطبع فقد كان لكل مدينة في سورية مجلس مماثل لمجلس مدينة دمشق على اتصال دائم بدمشق لتبليغ ما قد يحدث من مولد هلال شهر رمضان.
3- احتفاء دمشق بحلول رمضان:
وما أن يعلن مولد هلال شهر رمضان حتى كنت ترى أهل دمشق في غمرة من البشر والصفاء الروحي الذي ينعكس على تعاملهم وتعاطيهم، ويصبح أكبرهم الواحد منهم الإقبال على الأذكار والطاعات في المساجد والزوايا، وبخاصة المسجد الأموي، حيث يتحلّقون حول الأئمة والوعاظ يتفقهون في شؤون الدين الحنيف، حتى إنك لترى الوجوه قد كسيت بهالة نورانية من الورع.
أما في زوايا الطرائق الصوفية، فإنّك ترى روّاد حلقات الذكر الصوفية في تلاوة للقرآن الكريم فضلاً عن أناشيد المدائح النبوية وعقد حلقات الذكر بمشاركة المنشدين كلّ حسب طريقته ولعل من أهم تلك الحلقات حلقة الطريقة السعدية الجباوية في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان التي يشارك فيها العديد من الطرائق الصوفية بحضور السيد وزير الأوقاف ومحافظ مدينة دمشق وقائد شرطة المدينة كما رأيت ذلك بأم عيني في العقد السابع من القرن العشرين.
فضلاً عن هذا فإن مظاهر الشهر تنعكس على الحياة العامة في الأسواق، فيترفّع الناس عن الأذى والموبقات، وإذا أساء إنسان إلى آخر أجابه سامحك اللـه اللهم إني صائم.