كانت تخطو وأشباحهم تلاحقها، نظراتهم لا تفارق خيالها، همساتهم تكاد تأكل أذنيها.. تخطو وخطواتها تغرس في قلبها، بينما تسحبها الفوضى التي تملأ حواسها إلى الخلف أو ربما تريدها أن تلتف حول نفسها إلى أن تصاب بالدوار وتسقط ضحية الجهل والأنانية.
ارتعشت يدها مليا وكأنها تناديها: ألم تسمعي ما قالوه؟ ألم تري ما فعلوه؟ اسحبيني أرجوك قبل أن يحكم على وعليك بالضرب المبرح.
لكنها لم تكترث لرعشات يدها تلك أو ربما لم تستطيع التراجع لأنها وصلت إلى منتصف الطريق فالمسافة بين باب القاعة وطاولة القاضي باتت لها طويلة جدا قطعتها بعد أن بذلت مجهودا لمقاومة الأفكار التي تأكل رأسها وللأقاويل التي تنظرها في محيطها.
وأخيرا وصلت وهي تحمل تلك الوريقات التي جاهدت لتحصل عليها.
مدت يدها المخدرة على طولها أمام القاضي لتثبت لنفسها أنها لن تتراجع، ربما لأنها متمردة أو ربما لأنها شعرت أن لا مجال للفرار.
كان رجلا في الخمسين من عمره يضع نظارة تستند على طرف أنفه، التقط منها الأوراق ثم نظر إليها نظرة مظلمة من فوق تلك النظارة الهرمة وأخذ نفسا عميقا وعاد ليقرأ..
الورقة الأولى كانت تقريرا طبيا من أحد الأطباء يثبت عجز زوجها عن قيامه بواجباته الزوجية تجاه زوجته أما الورقة الثانية فكانت وصفة طبية والثالثة تحليلا طبيا يثبت الأمر ذاته
كانت تنظر إليه وهو يقرأ علها تستشف من تعابير وجهه القاسية عن مصيرها المتوقف على الحكم فراحت تسأل نفسها: ترى هل سيقتنع؟ هل سيحكم لي بالطلاق؟
أصداء مجتمعها عادت لتترد على أذنيها في تلك اللحظة (سيقولون مطلقة)، (ألم نقل لها أن زوجها قبرها)، (ألم تستطيع أن تصبر)، (لا يوجد سبب للطلاق)، (يا لطيف الدنيا في آخر الزمن)، (فضحت زوجها)، (ونفسها أيضا)، (الناس لن ترحمها)، (الناس)، (الناس)، (الناس).
دون أن تشعر كمت أذنيها وراحت تصرح بأعلى صوتها: لا... لا...لا.