انقسم علماء وفقهاء الاسلام الى فريقين بخصوص الحكمة من العبادات والشعائر الاسلامية فريق يقول بعدم امكان ادراك عقولنا المحدودة للحكم والأسرار التي أودعها الله سبحانه في العبادات لذا فيجب على الانسان الخضوع لمراد الله وتنفيذ أوامره والوقوف عند حدوده
أما الفريق الآخر فلا يرى حرجا في البحث العقلي عن أسرار العبادات والحكمة منها ولكنني وجدت أن التوسط بين الرأيين هو عين الصواب إذ أن معرفة الحكمة في كل شعيرة أو عبادة لا يمكن أن يفسد أو يؤثر على جوهر العبادة فنحن نتعبد الله تعالى عن طريق الدليل الذي يتضمنه الأمر التكليفي الالهي وليس عن طريق الوقوف عند ادراك الحكمة أوالسر في كل عبادة من العبادات كما أن الوصول الى بعض الحكم والأسرار يسهم في خدمة الاسلام ذلك أنه دين الحق والمعرفة والعلم والعقل .
إن العقل البشري تستهويه مثل هذه النتائج الحسية مما يرتبط بصحة الانسان أو بما استعصى علاجه من الأمراض أو بما يلتمس منه أملاً واقعياً في اصلاح السلوك الفردي أو الاجتماعي .
والصوم له فوائد عظيمة معروفة خلال التاريخ الطبي منذ عهد أبقراط وحتى الآن على أنه عامل قوي وهام من العوامل المنقية للجسم من سموم الأغذية وخاصة أغذية وقتنا الحاضر والمليئة بالمواد الكيماوية والهرمونية والدهنية والتي نتناولها بشراهة ولا تستطيع البنية البشرية للانسان البالغ أن تختزن مقدارا يزيد على الحاجة منها .
أما اطلاق الحرية للانسان المعاصر في تناول كل ماهب ودب ما يقع تحت يده وبسبب هذه الحرية اللامدروسة غالبا ما تصاب بآفات مرضية غير محمودة الجانب وتكون وبالا عليه فالصوم بلا شك ذو تأثير بالغ في تخفيف الأعراض التي تنتاب الأعضاء الظاهرة والباطنة ويساعد الصوم على التخلص أو التخفيف لكثير من الأعراض المرضية المؤلمة في كثير من الأحيان .
وقد استفاد الطب في علاج بعض الأمراض مالم يستفده من ناحية العلاج بالأدوية وهذا ما أثبته كثير من الأطباء في العالم .
كما أن الصوم يهذب النفس البشرية ويلطف المشاعر ويسمو بالروح وهذا بدوره أمر بالغ الأهمية من حيث انعكاساته على السلوك الانساني فتقوى أواصر المحبة والتسامح بين أفراد المجتمع في هذا الشهر الفضيل ويتذكر الغني الذي أنعم الله عليه بالبحبوحة أحوال وأوضاع اخوته الفقراء مما يعيشون الفاقة ويتطلعون الى مساعدته واسهاماته .
وفي أيامنا هذه مع الاسف يتحول شهر الصيام (رمضان) في كثير من البلدان العربية والاسلامية الى شهر ( الطعام) بل والى شهرالكسل وتدني الانتاج بينما هو في حقيقته (مدرسة لتربية الارادة ولتجديد القدرات والملكات الفكرية والابداعية للانسان) وليس شهرا للتسلية أمام شاشات التلفزيونات لرؤية المسلسلات أو الافلام فضلا عن التفنن بما لذ وطاب من الأطعمة .
أما كيف يستفيد الانسان المريض من هذا الشهر فيجب أن يكون تحت الاشراف الطبي لأن المريض عليه أن يضبط شهوته في الطعام والشراب ويعرف ماذا يجب أن يأكل وماذا يجب ألا يأكل وأن يتذكر أن معدته تحتاج للراحة أيضا في كل عام بل وأن المعدة هي بيت الداء وأن الحمية هي رأس كل دواء .
هذا ويعد الصوم فرصة ثمينة لضبط النفس البشرية فيعدل الانسان من بعض السلوكيات أو المعاملات السيئة ويتقرب أكثر من الله تعالى ومن الآخرين .
فالصوم في الاسلام يعني حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه سعادتها ونعيمها فالجوع والعطش يكسر من حدتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين ويحبس قوى الأعضاء ( وخاصة المعدة) عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكّن كل عضو منها وكل قوة عن جماحها فهو لجام المتقين وجنة الطائعين ورياضة الأبرار والمقربين لرب العالمين من بين سائر الأعمال فإن الصائم يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل عبادة الله تعالى ايثارا لمحبته ومرضاته .
فالصوم أولا وأخيرا في الدين الاسلامي وفي بقية الشرائع السماوية يهدف الى تزكية النفس وتطهير الروح وتنقية الجسم البشري من العلل والأمراض ويعمل على خلق العلاقات الانسانية المتوازنة والمتناغمة لما فيه خير الانسانية ( والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ) والله في عون الانسان مادام الانسان في عون جسده وقلبه ونفسه لأن الصحة هي صناعة الانسان وليست صناعة الطب والانسان العاقل يعرف كيف يحافظ عليها وخاصة بالصوم الحقيقي وإدراك الحكمة منه .
موضوع: الصوم بين الحكمة والحكيم 
الثلاثاء سبتمبر 07, 2010 8:54 am
