لم تكن حرب تشرين التحريرية، مجرد معركة عسكرية عابرة- ذكّرتنا بمعارك الحرب العالمية الثانية الحاسمة - بين جيشين عربيين اتحدا والجيش الإسرائيلي المتغطرس الثمل إلى حد الشراهة بدماء الأبرياء،
بل كانت حرب تشرين برأي المؤرخين المنصفين، لحظة تاريخية نادرة في عمر هذا الكون الأزلي ونقطة تحول كبرى في الصراع العربي - الإسرائيلي، مواكبة للفخار القومي الأبي والشموخ الوطني في أبهى صوره المشرقة، في التاريخ العربي المعاصر، وفي نظرة شعوب الأرض في الشرق وفي الغرب إلى العرب، بعد أن أضحت صورتهم مشوهة وباهتة، إثر هزيمة الخامس من حزيران عام 1967، التي نتجت عنها انكسارات نفسية معمقة وعسكرية حادة، شلت الإرادة العربية وبددت العزيمة في صحراء الحياة.
وفي هذا الواقع المؤسف المتردي نحو الضياع والعبثية، انطبق على الحال العربي من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، حسب مصطلح تلك الأيام القديمة، ماقاله الشاعر العظيم (المتنبي) الجد الأكبر للشعراء العرب مع تلاعب لفظي بسيط: (ياأمة ضحكت من هزيمتها الأمم).
ومن الغريب أن يتهم الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، وهو ممن ينظمون شعرهم باللغة الفرنسية، السيدة أم كلثوم بأنها مسؤولة عن نكسة حزيران لأنها كانت تخدر الجماهير العربية بأغانيها العاطفية المطولة على حد زعمه متناسياً بأن كوكب الشرق غنت أمجاد العرب وانتصاراتهم زهاء أربعة عقود.
هذه الانهزامية الأدبية التي ظهرت، يومذاك، يراد منها تعذيب النفس العربية وشل حركتها التحررية، هي جناية على الأدب العربي المعاصر.
وهنا نستطيع القول باطمئنان شديد، إن حرب تشرين التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد، بكل ثقة ورجولة ورباطة جأش وتفاؤل، وسط سحائب التشكيك والارتياب، من قبل بعض الأنظمة العربية، كانت البداية لتحرير أرض الآباء والأجداد، من براثن الصهاينة، وانطلاقة الإنسان العربي الجديد، الذي أضحى بإمكانه المشاركة في صناعة حضارة هذا العصر، وفي استيعاب العلوم الحديثة والنظريات العلمية الجديدة والابتكارات المدهشة في عالم التسلح، التي ترجمت بأسلحة غير مألوفة في الشرق الأوسط، استعملها المقاتل السوري وزميله المصري على الجبهتين، بتفوق وبتقنية عالية أدهشت الأوساط العسكرية العالمية.
إن حرب تشرين المظفرة، لاتقل أهمية عن معركة (حطين) التي اندلعت بين الجيوش العربية بقيادة السلطان صلاح الدين الأيوبي، و جيوش الفرنجة القادمة من وراء البحار والمحيطات، كما يحدث اليوم، فكانت هذه المعركة الخالدة إيذاناً برحيل الغرباء والغربان وأسراب الجراد البشري عن أرضنا العربية إلى دولهم الجدباء.
لقد أنهت حرب تشرين التحريرية الأسطورة العسكرية المنسوجة بخيوط الوهم، التي أطلقها بصلافة موشي دايان وزير الحرب الصهيوني حول (القوة المدمرة).
أخيراً.....
من ينسى تلك الأيام الرائعة المضمخة بالمجد التليد.... المتوهجة إلى حد التماهي، بألق البطولة الجماعية والفردية.. ومن ينسى شهداء الأمة الأبرار.....شهداء القيم العربية الذين لبوا نداء الواجب الوطني بسرعة البرق، في أجواء وفي رحاب هذه الذكرى العطرة الغالية على قلوبنا وعلى قلوب الأحرار في دنيا العرب.
ومن ينسى النداء المؤثر في الوجدان الذي أطلقه القائد الخالد الأسد في اليوم الأول للحرب، فكانت عباراته لنا نجماً هادياً في ليل العرب الطويل:
نحن أصحاب حق.... وأصحاب قضية عادلة.... والله ينصر من كان على حق... إنكم تدافعون اليوم عن شرف الأمة العربية وتحمون وجودها... وتضحون كي تحيا الأجيال القادمة...
ستبقى ذكرى حرب تشرين التحريرية حاضرة في قلوبنا وفي أفئدتنا وبإيحاءاتها ستكون منارة صدق أمينة، ترسم لنا الطريق لاسترداد الأرض المحتلة المتعطشة للحرية، ولإعادة الحقوق العربية المسروقة، تحت أنظار العالم المتحضر.