برزت في اليومين الماضيين، سلسلة مؤشرات خارجية، لا تنسجم نهائيا مع مناخات التفاؤل التي كانت قد شاعت في الأيام الأخيرة، تناغمت مع حملة دفاع داخلية عن المحكمة الدولية، قادها «تيار المستقبل» من خلال مؤتمر صحافي لتوكيد قانونيتها وشرعيتها.
ولعل الإطلالات المتتالية لأركان المحكمة الدولية من رئيسها انطونيو كاسيزي الى المدعي العام دانيال بيلمار مرورا بقاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين ورئيس قلم المحكمة هيرمان فان هيبل لإعطاء صك براءة للمحكمة من تهمة التسييس، تؤشر، بحسب أوساط سياسية، إلى أن المحكمة تعاني إصابات مباشرة في مصداقيتها وفي هيبتها ما استوجب تجييش هذه الحملة، علماً أن أوساطا أخرى أدرجت «الهجمة الإعلامية» في سياق التحضير لصدور القرار الاتهامي في وقت قريب.
وفيما كان الإعلان عن مغادرة الملك السعودي عبد الله المستشفى الذي كان يتلقى فيه العلاج في الولايات المتحدة، قد أعاد إطلاق رياح التفاؤل، والكلام عن زيارة قريبة لنجله الأمير عبد العزيز لدمشق، فإن الكلام الذي نسبته الزميلة «الحياة»، أمس، الى مسؤول أميركي رفيع المستوى، ونفى فيه علم إدارته بوجود صفقة سعودية ـ سورية حول المحكمة، ترك علامات استفهام كبيرة حول إمكان تبديد الأميركيين كل الآمال المعقودة على تسوية كبرى، عبر إصرارهم على استخدام كل أوراق الضغط بوجه سوريا وإيران. وأحدها، وربما أهمها، المحكمة الدولية... «ولذلك قرروا تصعيد الموقف، وهو الأمر الذي يعني أن المسعى السوري السعودي مهما بلغ، فإن مصيره يبقى رهن القدرة السعودية على تسويقه أميركيا» يقول مصدر دبلوماسي عربي.
وفي هذا السياق، نقلت شخصية رسمية بارزة زارت دمشق مؤخراً عن بعض المسؤولين السوريين، أنه خلافا للجو الخلافي السائد في لبنان فإن المشاورات السورية ـ السعودية أفضت الى اتفاق على المبادئ العامة لحل الأزمة الراهنة في لبنان، والجهد المبذول في هذا السياق كبير جداً، والجميع يعول على جهد لبناني موازٍ يسهم في تنفيذ الحل. وتوقعت الشخصية نفسها قيام الأمير عبد العزيز بن عبد الله بزيارة قريبة الى دمشق، لمواصلة المشاورات عن قرب، ولوضع الأسس التفصيلية للتسوية.
ويتقاطع ما نقلته الشخصية المذكورة مع ما أعلنه المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل خلال كلمة له في خلدة أمس، من «أن مسار المبادرة السورية - السعودية هو مسار مفتوح وأنا أقول صراحة نعم هناك مسعى جدي سعودي - سوري يتقدم باطراد نحو الوصول الى خاتمة سعيدة ترضي كل اللبنانيين، وهناك قضايا وعناوين أساسية يتناولها هذا المسعى على كل المستويات يمكن أن تشكل فرصة حقيقية لخروج لبنان من المأزق وأن ينجح ويحقق ما ناضلنا من أجله خلال المرحلة الماضية».
وكانت مستجدات المسعى السوري السعودي محل تداول بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والنائب وليد جنبلاط الذي زار مقر رئاسة المجلس في عين التينة، برفقة الوزيرين أكرم شهيب ووائل ابو فاعور.
وقال جنبلاط «اليوم كانت فرحتنا مشتركة عندما رأينا صورة الملك عبد الله بن عبد العزيز خارجا من المستشفى، وهذا دليل صحة وتواصل، وإن شاء الله خيرا على البلاد».
وأشار جنبلاط إلى أن كل ما يجري العمل فيه حاليا يهدف الى درء المفاعيل السلبية للقرار الاتهامي وهذا هو الجهد السوري السعودي المشترك. وانتقد الكلام الاميركي حول عدم العلم بحصول مساع سورية سعودية للتسوية وقال: هذا أمر مستغرب لا تستطيع دولة كبرى ألا تطلع، هي مطلعة على كل شيء، والدليل «ويكيليكس». هذا أمر غريب، أرجو ألا يكون هذا الأمر بداعي استعجال القرار الظني، لكن لننتظر.
وقال جنبلاط لـ«السفير»: «مع الأسف هناك من لا يزال في لبنان لا يريد أن يقبل أو يعترف أو يسمع بأن إسرائيل تعتدي علينا وأن إسرائيل تتجسس علينا، وهؤلاء لا يهتمون بشبكات العملاء ولا بما يجري في قطاع الاتصالات والاختراق الإسرائيلي له، كما لا يريدون الاعتراف بالاكتشاف الجبار الذي اكتشفه الجيش اللبناني في الباروك وصنين وربما هناك أماكن اخرى».
أضاف جنبلاط: مع الأسف فإن الهم الأساس للبعض منصب على تحييد إسرائيل، متناسين وجود عامل إسرائيلي عدواني وتخريبي على لبنان وعلى كل العرب.
ورداً على سؤال قال جنبلاط إن من حق اللبنانيين أن يطرحوا التساؤلات الكثيرة حول القرار الاتهامي الذي يتأكد يوما بعد يوم أنه قرار مسيس في مكان ما، وينطوي على مخاطر كبرى على لبنان.
السفير اللبنانية