لم نعد ندري الى أين تقودنا التكنولوجيا المتفوقة في التحكم أو التلاعب بالصوت والصورة عبر الأثير.. إذ بعد أن أصبحت الهواتف النقالة قادرة على التقاط كل ما يدور حول أحدنا كما يريد..
وبالرؤية التي يريد.. سلباً أم إيجاباً.. فقد فوجئنا بما يسمونه الشاشة الذكية المتطورة أو (الغلاس ميرور).. بل الأكثر تطوراً وهي التي تضع الصورة بالكلمات أمام صاحبها.. ونسميها المرآة السحرية لأن من يقرأ تلك الكلمات هو المقصود بها فقط إن كان يقف في مواجهة هذه المرآة للخطابة.. أو ربما لعزف الربابة.
وليس السر هنا.. بل السر أن لا أحد يرى هذه المرآة سواه.. ولا أحد يقرأ ما سجل عليها غيره أيضاً.. ومن هنا يمكن أن يكون هناك وراء هذه المرآة من يلقن.. ومن يتابع السياق بحيث لا يبدو الأمر إلا عادياً وطبيعياً.. لا مخادعاً أو مزوراً. وعلى جانب آخر تفاجئنا الكاميرا الذكية ونسميها السحرية وهي التي تتلاعب بمشاهد من الجماهير بحيث تبدو العشرات منها وكأنها المئات.. والمئات وكأنها الألوف وهكذا.. والصورة بالطبع مصحوبة بالأصوات المطلوبة أو المرغوبة.
كل هذا وغيره أصبح ناجزاً وجاهزاً.. وفي خدمة من يملكون الثمن.. والوسيلة الأضمن مرايا سحرية.. أو ساحرة.. لكننا ونحن نرصد هذا التسابق العلمي التكنولوجي المذهل نقول ألا يمكن أن نخترع مرايا من أنواع أخرى تكشف ما يدور في الأدمغة والأفئدة وما يختلج في النفس الإنسانية من غير تزوير أو تبرير؟.. فالتشويش الآن يبلغ درجات عليا من حيث الانتقال من مبدأ الى آخر.. ومن فئة الى غيرها ببساطة وسهولة ليس بين يوم ويوم.. بل بين ساعة وأخرى. هذا التشويش يؤدي لاشك الى الفوضى.. وقد أصبحت هذه الفوضى في فم كل أحد.. يفسرها على هواه.. وقد يصلها بالأمر المطلوب حتى منتهاه.. ويسمونها الفوضى الخلاقة.. لكنها في الواقع وحتى بمعناها الحرفي كما وردت على لسان مبتكريها وجهابذتها هي نوع من العمى الذي يجب أن يصيب فئات محددة بالتدرج وبالعدوى أو حتى التفرج.. للوصول الى العمى الشامل أو الكوني.
وها هو (أسانج) رئيس فريق (ويكيليكس) يقول إن مواقع معينة للتواصل الاجتماعي والإنساني ليست أكثر من وسائل أو وسائط للتجسس لم يعرفها تاريخ البشرية على الإطلاق.. ولكن وثائق الـ (ويكيليكس) هي التي فجرت هذه الينابيع التي أصبحت طوفاناً يفجر العالم بالشك والريبة.. والاتهام الى حد المقصلة أو الإعدام.
أما المرايا الصافية والصادقة.. والتي يجب أن تعكس صورة الإنسان داخلاً وخارجاً فهذه المرايا على ما أعتقد هي من صنع الإنسان نفسه.. هو الذي يهيئوها ويصوبها لتعكس حقيقته ومواقفه.. وآراءه الحرة الصحيحة.. التي يمكن أن تخلق له حياة نظيفة وصحيحة.
ومادام العلم يخادعنا.. ونتصور أنه يكافئنا.. فلابد لنا من أن نمتلك الوعي في أعلى درجاته.. ولعلها مهمة شاقة تقع على كل أحد منا سياسيين.. ومثقفين.. وأكاديميين.. ومفكرين.. بل ومواطنين عاديين أيضاً عندما يسألون ويفهمون ولا يسيرون في موكب الضجيج.