تُعتبر المغاور الطبيعية في سورية متاحف أثرية طبيعية متعددة الأجنحة، صُنعت معروضاتها من مادة واحدة هي الكالسيت ولكن بأشكال ومظاهر شتي، وتقدم لنا هذه المغاور التي تنتمي في أغلبها إلى نوع من المغاور يُسمى الكاريستي مادة للتأمل تبهر النظر،
وتُلهب خيال الناظر برؤى لا يجد لها تفسيراً لأول وهلة بل يقف أمامها مبهوراً لتتماهى انفعالاته وأحاسيسه في خضم عوالم هذه المغاور، غير أن أهم ما يغري الزائر أو السائح لزيارة هذه المغاور تلك الأشكال المخروطية التي يُطلق عليها الصواعد والنوازل وهي تتدلى من أسقف المغاور أو من الجدران. وتنتشر أنواع عديدة من المغاور الطبيعة في سورية على الساحل السوري كمغارة الضوايات في منطقة صافيتا ومغارة عيون الوادي في طرطوس ومغارة الحويز في جبل الزاوية ومغارة كفر بهم قرب حماة.
غير أن أشهر وأجمل هذه المغاور مغارة القصير التي عُثر عليها بتاريخ 22/8/1995 أثناء قيام بعض عمال البناء بتفجير الصخور في موضع كان مهيئاً لتشييد سد للمياه السطحية بالقرب من بلدة القصير التابعة لمدينة حمص، وتُعتبر هذه المغارة حسب رأي علماء الجيولوجيا من أقدم المغارات المكتشفة حتى الآن في حوض البحر المتوسط، إذ يُعتقد أنها رافقت انقراض الديناصورات قبل فترة سديمية تتجاوز الأربعين مليون سنة،
وتنتمي مغارة القصير إلى نوع من المغارات يسمى مغارات النقاط المتحجرة لأنها تنشأ من خلال تسرب مياه الأمطار أو الينابيع أو ما شابه ذلك عبر حجارة غنية بالكلس في باطن الأرض أو الجبال وتجري على مدار الزمن تفاعلات كيماوية تؤدي إلى ترسبات الكلس بأشكال متعددة وغريبة، وقد ترافق تلك الترسبات ترسبات لأملاح ملونة أخري تعطي هذه الأشكال ألوانا متعددة إلي جانب الغرابة في تشكيلها.
متحف أثري
قبل الدخول إلى مغارة القصير نرى المدخل الذي نجم عن التفجير وهو بعرض حوالي 10 أمتار وارتفاع أكثر من مترين، وفور الدخول إلى الجزء المُنار بالضوء الطبيعي من المغارة علينا أن نهبط بضعة أمتار فوق ركام صخري ناجم عن التفجير سواء من صخور الصواعد الستلاجميت أو النوازل. وهذا الركام يبدو متلألئاً كالزجاج المهشم بأطراف حادة على بعد حوالي 10 أمتار وبعد ذلك تقابلنا مجموعة من الصواعد المنتظمة جنباً إلى جنب بشكل جميل، وإذا تابعنا هبوطنا أكثر على حافة المنحدر الأسفل فإننا نجد في الصخور تشكيلات مذهلة على شكل شلالات حقيقية بنية اللون أو بيضاء تذكرنا بمنارات المساجد أو بروج الكنائس ويقابلها من السطح عدد هائل من النوازل التي يتراوح قطر الواحدة منها بين قلم الرصاص المثقوب وجذع الشجرة الكبيرة.
وعند الولوج أكثر في مغارة القصير على الزائر أن يترك العنان لخياله وهو يتأمل الأسقف والجدران وأشكال المياه المتجمدة تحت قدميه ما يشاء من الوجوه والأقنعة والتكوينات الطبيعية، وحيث أدار نظره تراءت له مناظر متباينة تتنافس في إبداعها وبهائها، كأنه يطوف قاعات متحف أثري متعدد الأجنحة صُنعت معروضاته من مادة واحدة هي الكالسيت ولكن بأشكال ومظاهر شتى مما يسمح لخياله أن يسرح طليقاً ليتصور أشباه هذه الأشكال من سابق مرئياته وذكرياته، فهو يمثلها تارة بالزهور وتارة أخرى بالحيوانات أو المعابد أو بالستائر أو بالثريات النُجف المدلاة من السقوف.
آبدة أزلية
في حضن سلسلة جبال الزاوية الشهيرة في سورية وفي بلدة الحويز التابعة لمحافظة حماة تقع مغارة الحويز التي اكتُشفت منذ سنوات عن طريق المصادفة كمغارة القصير وظلت أعماقها مجهولة طيلة سنوات عديدة ولكن بعثة استكشافية تمكنت منذ سنوات من الوصول إلى عمق 100 م داخل هذه المغارة الطبيعية وعثرت على تشكيلات متنوعة من الصواعد والنوازل.
ومرحلة الاستكشاف الأولي للمغارة كانت أشبه بمغارة داخل مكان أسطوري نظراً لوجود أسراب ضخمة من الخفافيش يقدر عددها بعشرات الآلاف حلقت بشكل غير منتظم عندما دخل أعضاء البعثة أول دهليز في المغارة، وقد تم اكتشاف ثلاث تجاويف متصلة بحجرات تزيّنها صواعد ونوازل ذات ألوان رائعة طول الواحد منها أكثر من مترين، ويُعتقد بأن مساحتها قد تمتد حتي الجهة الثانية من السلسلة الجبلية، وإذا صح القول ستكون هذه الآبدة الأزلية أضخم مغارة طبيعية مكتشفة في سورية حتى الآن. ويُذكر أن هذه المغارة حسب رأي علماء الطبيعة قد تشكلت نتيجة تفاعل عوامل جيولوجية على امتداد أكثر من نصف مليون عام.
حيوانات خرافية
في وادٍ يبلغ عمقه أكثر من مائة متر قاعدته غابة من أشجار السنديان والبلوط والدلب ومزارع التفاح والأجاص والخوخ والفستق والجوز ووسط عدد من الينابيع العذبة التي تروي الوادي وقُراه المتناثرة بالقرب من بلدة دوير رسلان علي الحدود الشمالية الشرقية لمحافظة طرطوس تقع مغارة بيت الوادي التي تبدو لزائرها كمتحف عجائبي تتدلى الرواسب الأزلية على جوانبه لتقدم مشاهد تأخذ الألباب، بعضها يتخذ شكل العناقيد والبعض الآخر على شكل زهور متباينة الأنواع، في حين تبدو الأخرى على هيئة حيوانات خرافية ومنها ما يبدو على شكل أقمشة أو ستائر ملونة مدلَّاة بشكل متناسق أخَّاذ ومنها ما يشبه الطيور وأخرى تشبه شخوصاً إنسانية، وتبدو هذه الأشياء في معزل عن مفهوم الزمن لأن تكوين سنتمتر واحد من هذه الرواسب قد يتطلب أكثر من مائة عام.
مدخل المغارة عبارة عن تشكيلات كلسية دوموميتية وضمن هذه الطبقات توجد طبقات رقيقة من الغضاريات اللينة البنية اللون، والمغارة عبارة عن نهر جوفي تشكَّل نتيجة للحت الكاريستي لهذه الصخور منذ ملايين السنين، وبالقرب من مغارة بيت الوادي تنتشر عدة مغاور طبيعية أخرى ومنها مغارة الدرة، مغارة البارد، مغارة السواح، مغارة حماد، مغارة نبع بمحصر، مغارة أبو علي شاهين..
مغارة كفر بهم
على بعد 7 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة حماة بجانب قرية كفر بهم تقع مغارة كفر بهم السياحية التي تُعتبر واحدة من أجمل المغاور الأثرية الطبيعية في سورية، ولكنها للأسف فقدت الكثير من معالمها الجمالية بسبب تخريب المقالع المحيطة بها والتي يُفجّر الصخر فيها بالديناميت مما أدى إلى تشقق جدرانها وجعلها مكاناً غير آمن للسائحين والزوار.
يحتوي مدخل المغارة المنحدرة على مجموعة كبيرة من الصواعد والنوازل بمختلف الحجوم والألوان من أصفر وعسلي وشمعي وبترولي بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من النتوءات على شكل مرجانات البحر ثم يأتي بعد المدخل ثلاث مقصورات في الأولى مجموعة من الصواعد على شكل أصنام أحدها متصل مع السقف وجدرانها مؤلفة من صفائح رقيقة، ويحتوي السقف على مجموعة من النوازل البيضاء، أما المقصورتان الثانية والثالثة فهما أجمل من الأولى وأكبر ويبلغ طول المغارة حوالي مائة متر في نهايتها يكاد يتلاحم السقف مع الأرض في منظر بديعي أخاذ.
موضوع: المغاور الطبيعية في سورية 
الثلاثاء سبتمبر 14, 2010 8:30 am
