مخاطر إفشاء أسرار الحياة الزوجية

من المعلوم وبشكل بديهي أن لكل شخص في هذه الدنيا سواء في عمله أم بجامعته و محله أم غير ذلك أسراراً خاصة به من المحتمل أن يسرها لصديق أو يكتمها في قلبه،

و لعل معظم هذه الأسرار ذات قيمة، وباعتبار الأسرة نواة المجتمع كما يجمع على هذه المقولة العديد من الناس ننوه هنا إلى أحد أسباب انهيار الأسرة و كمصطلح يمكن أن نسميه إفشاء أسرار الحياة الزوجية.‏

بالطبع الحياة الزوجية تحوي الكثير من الأسرار وبحق من المحتمل أن تكون أكبر أرشيف أسرار لدرجة أنها تضاهي وثائق ويكيليكس السرية «المزعومة» بالطبع بحسب مكانة هذين الزوجين الاجتماعية خاصة لناحية العمل. مع أن إفشاء الأسرار بإطار الحياة الزوجية لا يتعلق بهذه الأمور فقط بل يتعداها إلى تفصيلات دقيقة تلامس مكامن القفص الذهبي بكل أبعاده.‏

وفي كل الأحوال مع إفشاء أي سر من هذه الأسرار تحصل كارثة سواء ًكانت هذه المعلومات من وحي تفاصيل الحياة الزوجية بدءاً من السرير مروراً بالمطبخ والمفروشات وصولاً إلى التحركات و غير هذه الأمور أو إذا كانت هذه الأسرار تلامس حساسية عمل الزوج أو الزوجة على حد سواء.‏

لنسليط الضوء على المشكلة من واقع حياة الناس وبعض الأشخاص المتضررين من إفشاء الأسرار شخص ما كان متزوجاً ولديه أربعة أطفال و هو حالياً بلا زوجة بعد زواج دام لمدة خمسة عشر عاماً سبق و ان طلق زوجته لمدة ثلاثة أشهر لكنه عاد عن قراره وقرر مسامحتها أما عن السبب في الطلاق الأول و الثاني أعتقد أن القارىء سيقول إنه سبب بسيط كما قلت أنا في نفسي في بداية التعرف على المشكلة ولكن قناعتي ازدادت بأنه سبب جوهري يهدد الثقة و الأمان في العلاقة الزوجية، وهما أصل الرابطة الزوجية وهدفها.‏

انه (إفشاء أسرار الحياة الزوجية). يقول هذا المطلق: إنني لا أعمل عملاً إلا وزوجتي تشيع ما فعلت بين أخواتها و أمها وصديقاتها، سواء أكان هذا العمل في بيتي أم في وظيفتي، و حتى فيما يتعلق بمالي و دخلي، الكل يعرف حياتي و أسرارها، وقد حاولت نصح زوجتي ولكن من دون فائدة، فأصبحت حياتي معها مهددة وغير آمنة، حتى أسرار الفراش و علاقتي الخاصة معها تتحدث بها عند صديقاتها.. حيث إنها و منذ الصباح الباكر تبدأ بسرد تفاصيل حياتنا و أسرارنا منذ مطلع اليوم السابق و حتى لحظة اتصالاتها في البداية كانت مقتصرة على أمها و شقيقاتها و لاحقاً تطور الأمر حتى بات القاصي و الداني من عائلتها وصديقاتها يعلمون كل شاردة و واردة في بيتنا، هنا حصل الطلاق الأول وبعدما اتفقنا على تجاوز هذه المرحلة والعودة إلى الشراكة الزوجية عادت زوجتي لذات العادة و لكن هذه المرة تطورت الفضائح لتصل إلى جيراننا بالسكن وهذا ما جعلني اتخذ قرار الانفصال النهائي رغم كل آثاره السيئة.‏

أما السيدة التي عانت قالت بأن تعاستها في الحياة إفضاء زوجها أسرار بيتها وأولادها حيث إنه وبمجرد سماعه حديثاً يخصها وأولادها تتحرك الحمية برأس زوجها ويبدأ جولة على أهله و أصدقائه ومعارفه بشكل عام ويخبرهم به والمشكلة الأكبر أنه يوجد بعض الأسرار من المعيب التحدث بها ومع ذلك لايوفرها يفشيها بجلسة شرب الشاي مع أي أحد لدرجة أن الأولاد أصيبوا بخيبة أمل و إحباط نتيجة عمل والدهم هذا وأضافت السيدة نوال متمنية لو أن الزمان يعود للوراء لكانت قد تطلقت من هذا الزوج و ارتاحت من الإحراجات والفضائح.‏

اسيد مهندس كان شخصاً ناجحاً بحياته العملية يعمل لدى إحدى الشركات الخاصة بالعقارات يقول: إنني كنت أتدرج بعملي بشكل كبير وسريع نتيجة النجاحات التي حققتها بعملي ولسوء حظي مكان سكني كان معظم زملائي بالعمل يقطنون بقربي وبحكم علاقتي الطبية معهم انعكست هذه العلاقات الطيبة لتصبح علاقات عائلية بيننا من جهة و بين زوجتي وزوجات رفاقي بالعمل، و بحكم أنني كنت أعمل نصف العمل في بيتي لأحقق نجاحات أكبر كانت زوجتي تتطلع على معظم أسرار عملنا ومع الأسف تفشي هذه الأسرار بجلسة غرور و مفاخرة مع زوجات بعض أصدقائي بالعمل إلى أن وصلت لمدير الشركة و عاقبني بحسم كبير من راتبي و هو محق طبعاً، وتكررت هذه الحادثة إلى أن وصلت إلى الطرد النهائي من عملي نتيجة تصرف زوجتي هذا، و أنا بدوري طلقت زوجتي عقوبة لها نتيجة الحال التي وصلنا إليها جراء تصرفها هذا، و من تجربتي أصبحت أهم نصيحة أقدمها لكل من أعرفه بالتحذير من إطلاع زوجاتهم على أي سر يخص العمل مهما كانت الظروف ومهما كانت الثقة .‏

شخص روى قصة مذهلة تندرج ضمن هذا الإطار حيث قال: أنا شهدت دمار أسرة زوجية نتيجة التحدث بأدق تفاصيل الحياة الزوجية كانت تقطن في حينا أسرة مؤلفة من زوجين وطفل لا يتجاوز عمره السنة الواحدة وقد كانت الزوحة ثرثارة جداً لدرجة أنها كانت تحدث النسوة في الحي عن كافة تفاصيل حياتها وصولاً إلى نقاط ضعفها الجنسية إلى أن سمع أحدهم من زوجته بهذه التفاصيل تشجع مستغلاً نقاط ضعفها وانقض عليها معتدياً بالنهاية أدى هذا الأمر قيام الزوج بقتل زوجته والشخص المعتدي لدرجة أن هذه القصة انتشرت في كل أنحاء المنطقة، ولاحقاً في بعض الصحف لدرجة الفضيحة، بالنتيجة تدمرت الأسرة خاصة الطفل البريء الذي دفع ثمن ثرثرة أمه.‏

والقائمة تطول بالكثير من القصص و التجارب نتيجة إفشاء الأسرار الزوجية وتحتاج لجمع في مجلدات كثيرة و المستغرب أن كل هذه القصص لم تردع رغم أن واقع الحياة قد تغير وبات كل شخص مشغولاً بعمله و بمشكلات بيته.‏

االرأي الشرعي بهذه المسألة : إن كل الأديان والشرائع، حذرت الزوجين من أن يفشي الواحد منهما سر الآخر، كأسرار البيت والعلاقة بالآخرين، الأسرار المالية، و أسرار الفراش، والعمل وغير : (إن من أشر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم يفشي سرها)، حديث شريف.‏

فيعتبر إفشاء المرء لسر غيره خيانة إن كان مؤتمناً، ونميمة إن كان مستودعاً، وكلاهما حرام ومذموم، بل إن الميت يكره لمن يغسله أن يتحدث بما يراه من سوء عليه، فحفظ السر للحي و الميت، و كذلك الأسرار الزوجية تحفظ أثناء بقاء العلاقة الزوجية وبعد، وفاة أحد الطرفين أو حصول الطلاق.‏

وهناك عائلة حصل فيها الطلاق منذ عشر سنوات، و إلى الآن لا يعرف أحد سبب الطلاق.‏

فالواجب ستر أسرار العلاقة الزوجية، ولكن المشكلة تحصل عندما يكون أحد الطرفين ثرثاراً بالأسرار الزوجية، و لهذا فإن الشريعة أجازت لأحد الطرفين أن يرفع دعوى على الآخر إذا كان يفشي الأسرار الزوجية دائماً، وللقاضي أن يعزر من يفشي السر، إلا أن هناك بعض الأسرار يمكن لأحد الزوجين أن يتحدث بها و يفشيها للمصلحة، كأن يستشير أحد الزوجين مختصا لإرشادهما في علاج مشكلاتهما الزوجية أو إذا أصيب أحد الزوجين بمرض معد كالكوليرا والطاعون والإيدز وغيرها.‏

ويبقى لنا أن نقول: إن إفشاء الأسرار الزوجية يهدد كيان الأسرة ويفتك بها، و حفظ الأسرار يساهم في استقرار الأسرة وسعادتها، وهنا ننصح الزوجين بألا يتخذان وكالة ويكيليكس مثلاً أعلى ضمن الحياة الزوجية، بل ننصح بضرورة التكتم على الأسرار الزوجية سواء في الحياة اليومية الزوجية أو أسرار العمل و غيرها من الأمور، و هذه رسالتنا الموجهة إلى كل زوجين مخلصين ..‏