صحيح أن هذا الزمن سلبنا كل شيء، ولكنه لم يستطع أن يسلبنا حاجاتنا إلى الحب الذي فطرنا عليه.. وبذلك لن يغدو العالم حقيقياً كما يقول دانتي في الكوميديا الإلهية إلا عندما يتعلم الإنسان كيف يحب .
منذ خلق الإنسان هناك
عاطفة بشرية فطرية تسمى الحب، وهذه العاطفة بالتحديد، لها العديد من الوجوه، فوجه لحب العائلة، ووجه لحب الأصدقاء ، ووجه لحب الناس لحب الأوطان.. الخ وجميع هذه الوجوه بينها واحد مشترك وهو الكلمة المكونة من حرفين، لكن لكل من تلك الوجوه معنى يختلف كلياً عن معنى الوجه الآخر، فالحب الذي نشعر به تجاه الأسرة لا يشبه شعورنا بحب الأصدقاء أو حب الأوطان. وهناك عوامل تؤثر في هذه الوجوه منها ماهو عامل نفسي ومنها العوامل المادية المكتسبة من المحيط الذي نعيش فيه، ولا أعتقد أننا سنختلف مع بعضنا في تلك الوجوه، لكن قد يكمن الخلاف في معنى الحب بين الذكر والأنثى.
فلا أعتقد أن هنالك في هذا العصر من لم يعش حالة حب ما، فالحب بالفطرة البشرية مطلوب ومرغوب، فكل منا يتمنى أن يكون هنالك من يهتم به ويسأل عنه، ويبادله الحب والغزل والغرام .
لا نستطيع أن نجد معنى معمماً وواحداً للحب ، لكن الحب بالمفهوم الشمولي، هو ذاك الشعور الذي يخترق الإنسان، فهو حالة مشتركة بين الرجل والمرأة ولعل الكبار في السن هم أقدر على هذا اللون من الحب، لأن تجاربهم في الحياة جعلتهم يفرقون بين الحاجة والحب، ولحاجتهم إلى ملء الفراغ النفسي الذي يشعرون به، بالإضافة إلى عمق مشاعرهم ، فلا عجب أن يقع الرجل في الحب بعد الأربعين، وقد تكون تجربة الحب في هذه المرحلة أعمق وأكثر متعة.
أسباب جهلة الأربعين: وقد سألنا الدكتور نضال نقول اختصاصي في علم النفس عن هذه المرحلة العمرية، فقال: إن عمر الأربعين هو بداية مرحلة عمرية نفسية اجتماعية، فبعض الرجال يمرون بهذه المرحلة في حياتهم لكن تتباين شدة تأثير هذه الحالة عليهم باختلاف الظروف وحسب التركيبة النفسية لكل رجل ، فمرحلة الأربعين والتي تستمر إلى الستين تسمى مرحلة الخلق أو الإبداع مقابل الركود وتتميز هذه المرحلة بالنضوج العاطفي والاستقرار والقدرة على التجمل والعطاء.
وتفيد الدراسات أن 25٪ من الرجال يعانون من أزمة منتصف العمر، خاصة إذا تزامنت مع العوامل التالية: وجود خلل في العلاقة الزوجية أو مع الأبناء إحساس الرجل أنه لم يحقق كل ما كان يحلم به، تقييم الرجل لنفسه يرتبط بنجاحه في عمله ومواجهته للفشل في هذه المرحلة قد يؤدي الى تفاقم الأزمة، عدم الاعتياد على التعامل مع الضغوطات وتجاوز العقبات ، عدم التوافق الثقافي والاجتماعي والفكري مع الزوجة مقابل احتكاكه بالأخريات في بيئة العمل أو الحياة الاجتماعية.
فيشعر الرجل بعد أن وصل لمرحلة النضج بالرغبة في أن يعيش حياته من جديد وقد يساعده على ذلك استقراره المادي، فيبدأ في البحث عن فتاة صغيرة وسرعان ما يتوهم بالحب.
أعراض هذه المرحلة
سخط وملل من نمط الحياة أو الأشخاص الذين كانوا يشعرونه بالرضا فيما مضى. التذمر والرغبة بالقيام بشيء مختلف تماماً، الشك في القرارات التي اتخذها في السنوات الماضية ومدى صحتها.
الإنهاك وكثرة الشرود مع أحلام اليقظة، الحدة والغضب المفاجئ، زيادة كبيرة وتراجع حاد في الطموحات .
تعويض عن مرحلة
وحول ما تقدم بينت السيدة أسماء محمد اختصاصية قسم علم اجتماع أن ما نراه من تصرفات البعض ( ممن تجاوزوا سن المراهقة بسنين كثيرة) هو محاولة تعويض عن مرحلة كان من المفترض أن يمروا بها أثناء الصبا ولكن لأسباب معينة تجاوزوها، ومن المعروف أن ما يسمى بمرحلة منتصف العمر تعتبر مرحلة قلق وتوتر لأسباب ترتبط بالتغيرات الفيزيولوجية التي تصيب الجسم، فكثير من الرجال يصبحون أكثر عصبية وتوتراً وينتابهم إحساس أن الحياة قد انتهت، ما يسبب عندهم ردود أفعال غير محسوبة وفي هذا العمر من الطبيعي أن تتراجع القدرة على تعلم الأشياء الجديدة، ما يولد عندهم رغبة بالانفراد والوحدة ويعبر باستمرار عن حنينه للماضي ويكثر ذكرياته ويطلق عبارات ( أنا محروم ، ضاع شبابي) ويصبح الاهتمام بالشكل الخارجي والهندام أكثر من قبل فيرتدون ملابس تجعلهم أكثر شباباً، فهو يحاول أن يثبت لنفسه ولأقرانه أنه مازال يتمتع بالشباب والجاذبية والقوة، وهنا تنتابه رغبة شديدة في معرفة إذا كان مرغوباً به أم لا.
وهكذا نجد أن الحب موجود بالفطرة عند كل إنسان ولكن الذين أوتوا موهبة الحب والقدرة على السمو به إلى عوالم تتنزه عن عالم اللذة والمادة أكثرهم من أصحاب النفوس الرهيفة والحساسة، ولكن ربما لا نجد هذا الحب إلا في الروايات الخالدة والقصص الممتعة وأحلام الشعراء، ولكن يندر حدوثه في واقعنا .
موضوع: بعد الأربعين هل هم أقدر على الحب .. ؟! 
الأربعاء مارس 09, 2011 9:57 pm
